ثمة قول شائع، إن التكنولوجيا ليست جيدة ولا سيئة في ذاتها، وإن الأمر يتوقف على: كيف يستخدمها الناس. فالتكنولوجيا التي تضمن حماية خصوصية الناس مثلاً، هي التكنولوجيا نفسها التي يمكن استخدامها لأعمال غير شرعية. والمعلومات التي يحتاج إليها العلماء من أجل الاستعداد لمواجهة الموجة الآتية من الإنفلونزا، يمكن أن يحوّلها البعض إلى سلاح فتَّاك.
يقول مارك غودمان، الخبير الأمني ومؤسس «معهد جرائم الغد» (Future Crimes Institute): « إن التكنولوجيا الأولى التي امتلكها البشر، قد تكون النار، التي يمكنها أن تطهوَ طعامك، ويمكنها أيضاً أن تحرق القرية التي في الجوار». ويضيف قوله: «الفرق الآن، هو أن وتيرة المبتكرات التكنولوجية سريعة إلى حد أنه أصبح أسهل على الناس أن يستخدموها للخير أو للشر على السواء».
وفيما يأتي قائمة لمبتكرات ومخترعات ابتُدِعت من أجل عالم أفضل، أو على الأقل من أجل تسهيل العيش، ثم حُوِّلت إلى أدوات للأذية.
الزيكلون (ب)
هذا السم الذي اشتُهر باستعماله في معسكرات الموت النازية، كان في البداية مبيداً للحشرات ومطهراً. المادة الفاعلة في الزيكلون (ب)، هي سيانيد الهيدروجين، التي فشل استخدامها سلاحاً كيميائياً في الحرب العالمية الأولى. وحين جرى تطويره في عشرينيات القرن العشرين، اكتسب رائحة، ولذا صار آمَناً في الاستخدام. ثم صار وسيلة منتشرة في مكافحة آفات زراعية في بساتين الحمضيات، وإزالة القمل من الملابس والشراشف. وكانت السلطات الأمريكية تستخدمه من أجل إزالة القمل من ملابس المهاجرين القادمين، في ثلاثينيات القرن العشرين، حين استبد بالبلاد الخوف من وباء الحمّى النمشية (التيفوس). ولا تزال بعض أنواع الزيكلون (ب)، تباع في بلاد أوروبية.
الطباعة الثلاثية الأبعاد
هذه التكنولوجيا الحديثة، التي دُعيت بالثورة الصناعية الثانية، قادرة على صنع أي شيء بالأبعاد الثلاثية، ويكفي لذلك أن تكون لديك صورة رقمية ثلاثية الأبعاد للشيء المزمع صنعه. وقد استُخدمت الطباعة الثلاثية الأبعاد لصنع أعضاء طبية بديلة، مثل عظمة الفك، أو عظم الجمجمة، أو حتى الآذان. لكن هذه التكنولوجيا نفسها التي يمكن الاستفادة منها للطب، أو لصنع تماثيل صغيرة أو أي شيء آخر، استُخدمت أيضاً لصنع سلاح. فقد نشرت منظمة تدعى «ديفنس دستربيوتد» فيديو لأول مسدّس مصنوع بالطباعة الثلاثية الأبعاد. وقد تعهّدت المنظمة أن تلتزم القوانين الأمريكية التي تحكم صنع الأسلحة وبيعها. لكن من يضمن ألا يفعل أحدهم الشيء نفسه، فيصنع سلاحاً يمكن أن يستخدمه في السطو على مصرف، مثلاً؟
الديناميت
اخترع ألفرد نوبل الديناميت أصلاً، للحصول على مفجّر قوي، يُستخدَم في التعدين والحفائر، فجعل حفر الأنفاق لخطوط السكة الحديد فجأة أسهل بكثير مما كان في الماضي. والابتكار الذي صنعه نوبل، هو أنه وجد وسيلة لجعل النيتروغليسيرين المتفجّرة، مادة مستقرة، بعدما كان تداولها خطراً جداً. لكن سهولة التداول هذه، إضافة إلى كثرة انتشار المادة التي سميت ديناميت، جعلت منها أسلحة مفضّلة لدى «الفوضويين»، إرهابيي ذلك العصر. ومن أولى الحوادث التي استُخدم فيها الديناميت، تفجير وول ستريت، سنة 1920م، الذي قُتل فيه 38 شخصاً، وأصيب 143 آخرون. وقد حاول بعضهم كذلك في سنة 1924م، تفجير جسر في كاليفورنيا بالديناميت.
برنامج «تور» الرقمي
طُوِّر برنامج «تور» (The Onion Router) الرقمي سنة 2002م، وهو يشوّش السكك في الشبكة الدولية الإنترنت، ويحمي خصوصية مستخدميه إلى حد بعيد. ذلك أنه يزيل البصمات الرقمية من على الشبكة. ولقد كان «تور» نعمة هبطت على متمردين ممن يسمّون النمّامين (whistleblowers). ومن هؤلاء ناشطون في الصين، وكذلك إدوارد سنودن. وفي عامي 2004 و2005م، ساندت مؤسسة «إلكترونيك فرونتير» برنامج «تور»، وفعلت مثلها مؤسسة الفارس (Knight). غير أن البرنامج يستطيع التستر على نشاط إجرامي أيضاً، ذلك أن الموقع المسمى: سوق طريق الحرير الرقمي (Silk Road online marketplace)، الذي أقفله مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي «إف بي آي» في أول أكتوبر 2013م، كان وسيلة لتجارة مخدّرات واسعة النطاق. وثمة مواقع يمكن دخولها بواسطة «تور»، تتاجر بالأسلحة وممنوعات أخرى.
الكمبيوتر
اخترع هرمان هوليريث سنة 1884م آلة الجدولة (Tabulating Machine). وقد أتاحت هذه المجدوِلة لمكتب الإحصاء الأمريكي إنجاز إحصاء سنة 1890م في غضون سنة، فيما كان الإحصاء يستغرق ثماني سنوات لإنجازه. وقد أحدثت آلة هوليريث العاملة بالبطاقات المثقبة التي تحوي معلومات، ثورة حقيقية في خزن المعلومات وكانت بداية عصر الكمبيوتر الحديث. وقد أسس هوليريث شركة آلة الجدولة (Tabulating Machine Company) التي صارت فيما بعد: آي بي إم.
في سنة 1930م، نقلت «آي بي إم»، بواسطة فرعها الألماني، أحدث ما كان لديها من مجدوِلات، إلى الرايخ الثالث، الذي أتاح للدولة النازية حفظ معلومات عن المواطنين الألمان. كان يمكن للمحرقة أن تقع في أي حال. لكن المجدوِلة سهَّلت عمل الأجهزة ولا شك، مثلما جاء في كتاب إدوين بلاك: آي بي إم والمحرقة.
صبغة الفوسجين
كان الفوسجين، وهو غاز عديم اللون، كريه الرائحة، مادة لصنع الصبغات، في البدء، أي في القرن التاسع عشر. وهو لا يزال إلى الآن من المواد المهمة المستخدمة في الصناعة. وقد سبق بذلك البوليريتين. وفي الحرب العالمية الأولى، استُخدم على نطاق واسع، غازاً ساماً.
«غوغل إيرث»
مَنْ منَّا لم يستخدم خريطة «غوغل» من أجل العثور على عنوان ما، أو لإلقاء نظرة من أعلى، على مكان مألوف لديه من الأرض. لكن المشكلة أن هذه الخرائط الجوية، يمكن أن تفيد إرهابيين أيضاً. فقد استخدمت في هجمات مومباي، سنة 2008م، ولذا طلبت الحكومة الهندية من «غوغل» أن تشوّه صور عدد من المواضع فيها. بل إن دعاوى قضائية رُفعت على «غوغل»، بسبب ذلك. وفي إنجلترا، استخدم لصوص صور «غوغل إيرث» لاكتشاف الكنائس التي سقفها مصنوع من معدن، من أجل سرقة تلك المعادن وبيعها في السوق السوداء.
البرمجيات الحاسوبية
اختُرِعت البرمجيات الحاسوبية من أجل المساعدة في تنظيم الملفات والتسريع في الحساب وما إلى ذلك من أوجه الاستخدام المتعددة. لكن بعض التقنيّات المتطوّرة مكّنت التقنيّين من أن يتسللوا إلى أي كمبيوتر، وهم جالسون في مكاتبهم، دونما حاجة إلى أن يكون حاسوبك أمامهم. وقد صارت تقنيات التسلل هذه أداة شغل لقراصنة الكمبيوتر، الذين لا يكتفون بالدخول إلى الملفات، بل يتحكّمون حتى بالعدسات والميكروفونات المتصلة بالكمبيوتر.
التخليق البيولوجي
يقول غودمان، إن أدوات «التخليق البيولوجي»، لم تعد حكراً على المختبرات الكبرى. إذ يمكن تركيب مواد بيولوجية وتجارب في مرآب بسيط، أما أسعار المركبات البيولوجية، فقد هبطت هبوطاً عمودياً. وتوفر منظمات مثل: «Genspace» أو «Biocurious»، للمتحمّسين مجال العمل على حسابهم الخاص في هذا المجال.
لكن القدرة على «التخليق البيولوجي» في المنزل، تعني أيضاً القدرة مثلاً على شن هجمات، مثل هجمات «الأنتراكس» الشهيرة سنة 2001م، التي أدت إلى وفاة خمسة أشخاص. هذه الهجمات يمكن أن تحدث من جديد بسهولة. وقد جرى نقاش حاد في مسألة معالجة هذه المشكلة، أثناء انتشار وباء الإنفلونزا. فدراسات «غين أوف فانكشن» (Gain of Function) التي تهتم بصنع لقاحات جديدة، يمكن أن تتحوّل بسهولة، إلى صنع فيروس أشد فتكاً وقدرة على الانتشار.
الطائرات بلا طيار
منذ عقود، كان كتّاب القصص الخياليّة يتصوّرون يوماً تخدم فيه الروبوتات البشر. فالروبوتات تصنع كل شيء، من السيارات إلى الكمبيوترات. لكن الروبوتات، ولا سيما الطائرات بلا طيار (المسماة درون) تحوّلت كذلك إلى أسلحة فتاكة، تقتل البشر. وتسعى دول عديدة في تطوير هذا السلاح، حتى إن الأمم المتحدة دعت إلى حظره.