أكد معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى أهمية اتخاذ الموقف الحازم تجاه كل تطاول وكل إثارة تتجاوز حدودها، لأن بعض السكوت عن تجاوزات بعض الدول والمنظمات الدولية قد يفسر خطأ أو يجرئ على المزيد من الإساءة مع ما في بعضه من التطاول على السيادة، مضيفاً أن بعض تلك المنظمات لا ترى حق السيادة التشريعية والإجرائية إلا لمنطقها المعبر عن رؤيتها الممثل لنزعة خلفياتها، مع ما يداخل بعضها من تمرير لمصالح وأجندة لا تخفى على أحد.
جاء ذلك خلال مناقشة معاليه بقسم الدراسات الإسلامية المعاصرة بالمعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لرسالة الدكتوراه التي تقدم بها الباحث زيد بن محمد بن إبراهيم الكثيري بعنوان: "تطبيق الحدود الشرعية والتعزيرات في المملكة العربية السعودية ودعاوى المنظمات الدولية ـ دراسة تحليلية تقويمية ـ"، بإشراف د.عبدالله بن محمد المطوع، الأستاذ في قسم الحسبة والرقابة، وعضوية معالي د. محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور يوسف بن محمد السعيد الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة.
وقد عقد الباحث الرسالة في عدد من الأبواب والفصول تناول فيها تفاصيل عنوانها مناقشاً ما تثيره بعض المنظمات الدولية تجاه بعض العقوبات في الإسلام حيث يتركز اعتراضها على النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة مطالبة بإلغاء تطبيق هذه النصوص التي اعتزت المملكة العربية السعودية بقيام كيانها العظيم على راسخها الشرعي، وتناول المناقش د. محمد العيسى أسباب تلك الدعاوى قائلاً ان عنوان الرسالة اشتمل على جملة: "دعاوى المنظمات الدولية"، وأحب أن أشير بأنه ليس كل المنظمات لديها ملحوظات بل بعضها، مضيفاً أنه لا بد من الإشارة إلى شيء من التفصيل في هذا الموضوع ليكون مفيداً للباحث في تعديلاته على الرسالة، منها أولاً أنه لا يمكن لأي من الجهات ولا الأفراد السلامة من النقد، هذه مسلمة تسري على الجميع، لكن يتعين اتخاذ الموقف الحازم تجاه كل تطاول وكل إثارة تتجاوز حدودها، لأن بعض السكوت قد يفسر خطأ أو يجرئ على المزيد من الإساءة مع ما في بعضه من التطاول على السيادة، والجهة المختصة لها السلطة التقديرية في تقرير مناسبة التصدي بالرد أو الصد عنه وأن هذا بحسب قراءتها للمشهد وما يلزم حياله.
وأردف د.العيسى: أن إحدى كبرى الدول والتي تصدر تقارير حقوقية دولية هددت مؤخراً بلغة صريحة المحكمة الجنائية الدولية التي وصفتها بالمحكمة غير القانونية إذا شرعت بالتحقيق في تقارير ضدها، نقول بعد ذلك هذا هو موقف تلك الدولة في موضوع هو محل جدليات ووقائعه مكتملة الأركان للتصدي الحقوقي أياً كان حكم ذلك التصدي فهذا لا يهمنا هنا، لكن نقول كيف هو حال النقد إذا كان الحق معك بالشاهد الحي وفي المقابل ارتجال الطرح حيث البناء على نظرة من زاوية واحدة بمعنى عدم اكتمال الأركان، وأعظم من هذا إذا كان يتطاول على الحق الدستوري والنظامي والإجرائي الذي يمثل الحق السيادي لكل دولة.
وزاد معاليه أن لسان حال تلك المنظمات لا يرى حق السيادة التشريعية والإجرائية إلا لمنطقها المعبر عن رؤيتها الممثل لنزعة خلفياتها، مع ما يداخل بعضها من تمرير مصالح لا تخفى، بعيداً عن أي قناعة مجردة وللأسف هذا ليس بقليل، ويزيد الأمر سوءاً عندما يتخطى ذلك أيضاً اللياقة الدبلوماسية إضافة إلى سوء تطاوله على حق السيادة وارتجال طرحه.
وتابع معاليه الشيء الذي لا يقبل الجدل هو أن عموم ما تطرحه تلك الجهات هو آحادي المصدر، وليس مقبولاً في أي منطق أن أحكم على أي موضوع من زاويةٍ واحدةٍ، وأذكرُ هنا أن موضوعاً أثير قبل عدة سنوات، لما تمت إحاطة بعض الجهات المستطلعة بتفاصيل وقائع قضيته وتفاصيل أسباب الاتهام والإدانة كان هناك مراجعة في القناعات بشكل كبير، بينما كان الاعتماد في السابق على الطرح المرتجل ذي الزاوية الواحدة، مضيفاً أنه بالتأكيد ليس لأي أحد الحق في أن يطالبك بأن تبرر وتوضح في هذا ولا غيره إلا ما كان لزاماً عليك، لكن يحصل الإيضاح أحياناً لأجل إزالة اللبس والتضليل، وكثير من الدول تفعل ذلك إذا رأت مناسبة الإيضاح، أو تتركه بحسب سياق كل حالة وما يناسب معها.
ولفت معاليه النظر إلى ضرورة أن نعرف أن هناك أهدافاً سياسيةً وتحديداً انتخابية تحاول الاستفادة من مجازفتها بأي ورقة قد ترى أنها مربحة، قائلاً أن حملات الإسلاموفوبيا لدى ما يسمى بأقصى اليمين البعض يترجمها باليمين المتطرف وهذا خطأ وإن كانت سياسته في الغالب متطرفة، المهم كم راهن هذا التطرف على حملات الكراهية ضد الإسلام، وقد حصلت مقابلة بعضهم في حوارات ومناقشات مطولة ولاسيما ما يخصنا في الرابطة وهو ما يتعلق برفضهم للخصوصية الدينية للأقليات الإسلامية في بلدانهم، واتضح لعدد منهم كم هي سذاجة وأبعاد المراهنة على تلك الأوراق، ومنهم من تحول بعد المراجعة المنطقية إلى صف أصدقاء الرابطة وتحدث بذلك إعلامياً وهذا منشور، وقد تصدى لهم بعض منافسيهم السياسيون وكشفوا أوراقهم وقال أحدهم قبل أيام إنكم بهذا التصعيد تلعبون بالنار، بمعنى أنه يعرف خلفيات طرحهم وأبعاده علاوة على خطئه، ويزيد الأمر انكشافاً ما نراه من ازدواجية معايير تلك الأصوات فهناك حالات حادة في الجانب الحقوقي من تهجير قسري وتطهير عرقي واتجار بالبشر في حالات إنسانية كارثية يندى لها الجبين ومع ذلك لم تتدخل عدد من تلك الأصوات فيها لماذا لأنها لا تحقق لها مصلحة فارتجالاتها لا تختار إلا الوزن السياسي الأكثر تأثيراً وأهمية طبعاً لا وزن أقوى من الإسلام ولا ثقل كثقل مهوى أفئدة المسلمين.
واعتبر معاليه في ملاحظته الرابعة أنه ما من شك أن غياب الحوار والتبادل المعلوماتي ذي العلاقة قد ينتج عنه بعض اللبس، وانطلاقاً من النظام الأساس لرابطة العالم الإسلامي شرعت في حوارات وعقد ندوات في هذا المجال امتداداً للحوارات التي تمت في مثل هذه الموضوعات قبل ما يقارب الأربعين عاماً، وصدرت على ضوئها مجموعات علمية نفسية للغاية ونفع الله بها.
وتابع د. محمد العيسى أن نقد بعض تلك المنظمات يسري على عموم الدول حتى الدول الكبرى التي تُصدر تقارير حقوقية دولية صدرت ضدها كما قلنا تقارير وهي تنازع وتجادل فيها لكن مثلما تحدثنا سابقاً منها ما يجب التصدي له والرد عليه ومنها ما يمكن بل أحياناً يجب الصد عنه، وهذا النقد إما أن يكون في المادة الموضوعية المتعلقة بتشريع الأحكام كالقصاص والحدود ونحو ذلك فهذا لا يقبل النقاش مطلقاً إلا على سبيل طلب البعض إيضاح الحكمة التشريعية في الإسلام والرد على الشبهات المثارة عليه بعيداً عن النقد الحقوقي المرتبط بحالة بعينها، أو أن يكون النقد يتناول التنظيمات والإجراءات الاجتهادية وهي على قسمين، قسم يتعلق بالمادة التنظيمية والشأن الإجرائي، ولكل دولة الحرية والسيادة في اتخاذ ما تراه من تنظيمات وإجراءات تعتقد أنها الأنسب والأصوب، وهذه الأنظمة والإجراءات بعيداً عن أي اعتبارات أخرى تعمل الدول المتحضرة على تحديثها عند الاقتضاء من حين لآخر لأنها في النهاية من اجتهادات البشر وليست نصوصاً تشريعية إلهية لكن عندنا يهم ألا تخالف الشريعة الإسلامية كما نص على ذلك النظام الأساسي للحكم، ولكن مع الأسف كثير مما يثار من نقد للتنظيمات والإجراءات يجده كل مستطلع فاحص مرتبطاً بأهداف أخرى وليس التباحث حيال نفس مادة النظام أو الإجراء أبداً، وبحمد الله فإن التنظيم والإجراء في المملكة لا يُعتمد إلا وهو يمثل أفضل التنظيمات والممارسات الإجرائية، ومن الصعب إيجاد ثغرة عليه، والجهة التنظيمية في المملكة تُثبت بشكل دائم سعة أفقها من حيث المتابعة في سن التنظيمات والإجراءات وما يلزم من تعديلاتها وتنشر كل نظام وكل إجراء وكل تعديل، وجميع الدول المتحضرة والواعية والواثقة والمرنة تفعل ذلك، لكنها تحافظ على هويتها ودستورها.
وأشار معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي إلى أن القسم الآخر المتعلق بالتنظيمات والإجراءات ينصب على نقد التطبيق وهذا الفرع هو أكثر النقد وأكثر ما يحصل فيه التجني والارتجال حيث الاعتماد كما أشرنا على المصادر الآحادية الجانب ولا يمكن أن تُصدر تقريراً يمثل حكمك المستوفي على الشيء بغض النظر عن عدالة حكمك من عدم عدالته إلا وقد استقيت من مصدره وإلا شابك العيب من البداية وغالب تلك التقارير كما تعلمون لا تُفصح عن مصادرها لأنها باختصار ستكشف مستوى ارتجالها وهو ينعى في النهاية على مستوى الثقة بها، والنقد في هذا وغيره كما أشرنا لم تسلم منه أي دولة كما أن من أسبابه أحياناً أجندة أخرى كما سبق.
وتابع د. العيسى بأن رابطة العالم الإسلامي من واجبها بحسب نظامها الأساسي التصدي لكل شأن إسلامي وأنها شرعت في وضع قاعدة معلومات في هذا الشأن هذه القاعدة المعلوماتية تقوم على الرصد والمناقشة بالمنطق مع الاستدلال أيضاً بعدد كبير من شهادات علماء ومفكرين بل وسياسيين غربيين وضعت الأمور في نصابها الصحيح ومنهم وفي مقاطع مسجلة من قد كشف مناورات خصومه المتطرفين وأنها لا تعدو التجني وإثارة الأحقاد والكراهية وإذكاء خطيئة صدام الحضارات، ونسميهم في خطابنا في الرابطة بالتطرف المضاد.
من جانبه أوضح المناقش أ. د.يوسف السعيد المنهج العلمي في مناقشة دعاوى بعض المنظمات الدولية، أنه يجب أن يرتكز على المنطق مبيناً أن الاستعراض المجرد للنصوص الشرعية لا يفيد معهم لعدم إيمانهم بها وأن النقاش معهم يرتكز على الجانب العقلي بحججه المنطقية وأنها متوافرة وكافية في إسقاط دعاواهم وشبهاتهم، مؤكداً أن البحث العلمي وهو يناقش ويحاور يتعين عليه أن يستقي المعلومات من مصادرها الأصلية.