على قارعة أحد شوارع الأحياء الشعبية في العاصمة تونس، نُصبت نحو 150 مائدة خصصت لإطعام أكثر من 400 محتاجا وعابر سبيل، في مساء رمضاني تفوح منه روح التكافل والتعاون.
سيارات وشاحنات خصصت لتزويد "موائد الرحمة" مجّانا بما تيسر من أطعمة ومشروبات وفواكه، وليس بعيد عنها يعكف عشرات المتطوعين على تجهيزها.
وقبيل موعد آذان المغرب، تبدو حركة المقبلين من المحتاجين وعابري السبيل على أشدها في منطقة "الكُبّارية".
والكُبّارية هي ضاحية تقع جنوب العاصمة تونس تتكون من 8 أحياء شعبية يعود أصل تسميتها إلى شجيرة الكُبّار (الشلفح أو الأصف) التي كانت تنتشر بكثافة في المكان قبل بدء تعميره في سبعينات القرن الماضي، وفق الموقع الرسمي للبلديات التونسية.
مشهد يتكرّر منذ سبع سنوات خلال شهر الرحمة، بعد أن خصص التونسي "علي الهادفي" مطعمه ليكون قبلة الصائمين في رمضان، لا سيما أصحاب الدّخل المحدود، والطلبة الأفارقة المغتربين عن عائلاتهم.
قال سعيد المرابطي: هدفنا الأساسي يتمثل بالاهتمام بالعائلات محدودة الدخل والمعوزة (المحتاجة).
ويضيف في وصف مائدته: تتميز بالمرح؛ فهي ليست تلك الصدقة المشحونة بالمن والأذى، بقدر ما أنها تندرج في إطار عائلي يتعارف فيها الجميع على بعضهم.
وبين المرابطي أن المائدة تستقطب جميع الفئات من أجل الحصول على الدعم، سواء كانوا دكاترة أو جامعيين أو نوابا في البرلمان، أو حتّى مواطنا بسيطا يرغب في المساعدة ولو بالقليل.
وتقدم موائد إفطار "الكبارية" وجبات لأكثر من 420 صائما يوميا، منهم قرابة 90 طالبًا أفريقيًا، إضافة إلى 30 عائلة أخرى يتناولون الطعام في منازلهم.
ويعتبر المرابطي أنّ تقديم الوجبات للطلبة الأفارقة، يدعم صورة تونس من حيث التكافل والتراحم وحسن الضيافة، يحملونها إلى بلدانهم حين عودتهم إليها.
وعلى بعد بضعة أمتار من المطعم، تنبعث رائحة زكيّة؛ حيث ينغمس الطهاة المتطوعون في إعداد وجبات الطعام، وسط أجواء مليئة بـ"التضحية من أجل الآخرين" و"حب الخير لهم".
ونتيجة زيارتهم المتكررة لموائد الرحمة كل عام، أصبحت تحكم هذه الإفطارات الجماعية أجواء عائلية؛ إذ يسبق وقت الإفطار أحاديث وأهازيج يغلب عليها الضحك والمرح، إلى حين "شقان الفطر" (موعد الإفطار بالعامة التونسية).
في الأثناء يبدأ أصحاب المبادرة بإعداد الموائد، ويساعدهم في ذلك شباب وأطفال جاؤوا برفقة آبائهم ليتعلموا "حب الخير ومساعدة الفقراء"، وهو مشهد يومي يتكرر طيلة الشهر الفضيل.
وقال علي الهادفي صاحب مطعم: شرعنا بمائدة إفطار صائم بإمكانات ومساهمات بسيطة من سكان المنطقة، لتتوالى الأعوام فتصبح عادة وثقافة سنوية.
وهذه العادة الرمضانية برزت خلالها أجواء حب الخير لدى كل من لديه حس إنساني، حتى لا يبقى أحدا دون إفطار في شهر الصّيام، كما يقول "الهادفي".
وعن مصدر المساعدات يقول: تأتينا يوميا، كل حسب استطاعته؛ فهناك من يقدم المياه والمشروبات، وهناك من يجلب الخبز، وآخرين يأتون بالمواد الأولية للطبح.
ويشير إلى أن من لا يقدر على المساعدة المادّية، فإنه يكرس وقته لإعداد وجبات الطعام، وتجهيز الموائد قبل موعد الإفطار.