أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أن سياسات عالمية جائرة شكلت البيئة الطبيعة لولادة «الإرهاب» وليست نُصوص القرآن والسنة.
مشيراً إلى أن فلسفة الإسلام في التَّعامُل مع الآخَرينَ لا تَعرِفُ مبدأ الصِّراع ولا التَّصنيف. وقال الطيب الذي كان يتحدث الليلة الماضية في محاضرة بمركز المؤتمرات الدولي في سلطنة بروناي، بعنوان "تحديات الأمة الإسلامية في مواجهة الإرهاب": إن الإرهاب ظاهرةٌ شديدة التَّعقيدِ والغموض فحسب نظريَّة «الإسلاموفوبيا»؛ يجب أن يُفسَّر الإرهاب بأنَّه ظاهرةٌ «إسلاميَّةٌ» نشَأت في أحضان نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، ويجبُ حسب هذا المنطق، أن يكون «غيرُ المسلمينَ» هم المستَهدَفين بهذا الإرهاب، ولكن انظروا إلى الواقع على الأرض، فسوف تَجِدُون أنَّ المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، وأنهم المستهدَفُون بأسلحته وبطريقته البَشِعة في القتل وإزهاق الأرواح، وأنَّ ضحاياه من غير المسلمين عدَدٌ لا يكاد يُذْكَر إلى جوار الآلاف المؤلَّفة ممَّن سُفِكَت دماؤُهم المعصومة على مرأًى ومَسمَعٍ من ضمير العالَم المتحضِّرِ، وتحت سَمعِ وبصَر مؤسَّساته الدَّوليَّة التي نصَّبَت من نفسِها ضامنًا لسلام الشُّعوب وأمنها، وحاميًا لحريَّات الإنسان وحقوقه في حياةٍ آمنةٍ وعَيشٍ كريمٍ في ظِلال السَّلام.
مشيراً إلى أن دولًا من دول العالم العربي والإسلامي هي التي قُدِّمت قربانًا على مذابح الفوضى التي تقود العالم الآن. وأوضح الطيب أنه على الرغم من الإدانة الإسلامية الدائمة للجرائم الإرهابية، لازالت «الاتهامات» الجائرة تشوِّه سُمعة هذا الدِّين الحنيف، وتخوِّف الناس من المسلمين ومن دِينهم، ما يدلُّ ـ بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة ـ على أن هناك قُوَّةً خفيَّةً غيرَ إسلاميَّةٍ تُصِرُّ على إساءة فهم الإسلام وسُوءِ الظنِّ بالمسلمين، وتَشويهِ سُمعة دينِهم، واستخدامِ منهج انتقائيٍّ في قراءة نصوصِ القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة بعد اجتزائهما وإخراجهما من سياقاتهما التي لا يتَّضح معناها الحقيقي إلَّا على ضوئها ودَلالاتِها المحدَّدَة.
وأضاف شيخ الأزهر: إن السياسات الجائرة هي البيئة الطبيعية لولادة «الإرهاب» والحاضنة الرَّؤوم لتَنَمُّرِه وتَغَوُّلِه، وليس في نُصوصِ القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، بل ولا في الكُتُب التي أنزلها الله على رُسُله وأنبيائه. هذا الإرهاب الذي تَطالُ طاقاته التَّدمِيريَّة دُولًا بأكملها، وينتقل بمعداته الثقيلة وجيوشه الكثيفة بين عدة دول في عالمنا العربي في حرية يحسد عليها.
وخلص الطيب إلى القول: إنَّ البحث النَّزيهَ المنصِفَ لابدَّ له من أن ينتهيَ إلى أنَّ الإسلام برئٌ من هذه البربريَّة الهمجيَّةِ، ولا علاقةَ له به، لا نشأةً ولا غايةً ولا دعمًا، بأي لونٍ من ألوان الدَّعم. كيف وفلسفةُ الإسلام في التَّعامُل مع الآخَرينَ لا تَعرِفُ مبدأ الصِّراع، ولا التَّصنيف بين أسود وأبيض، ولا بين شرقيٍّ وغربيٍّ، وإنَّما تَعرِف مبدأً واحدًا فقط في معاملة النَّاس هو: «مبدأ التعارف» الذي يعني التَّفاهم والتَّعاون وتبادل المنافع والمصالح: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وهذه الآية الكريمة، رغم تداولها على ألسنة الكثير من المسلمين وغير المسلمين، فإن كثيرًا أيضًا قد لا يتنبَّه إلى أنها تُذَكِّرنا -أوَّلًا- بوَحدَة الأصل وأخوَّة البشريَّة والتقائها بكلِّ شُعوبها في أبٍ واحِدٍ وأمٍّ واحدةٍ.
وأنَّه لا مَفرَّ لكي تستقيمَ الحياةُ ويتحقَّقَ مرادُ الله من خِلافة الإنسان في الأرض، لا مَفَرَّ من أن يكون «التَّعارفُ» هو الإطار الحاكم للعلاقات بين الناس.