تكشف نتائج الدراسات الطبية الحديثة، يوماً بعد يوم فوائد صحية نفسية لممارسة النشاط والرياضة البدنية، ما يجعل أحدنا يُعيد التفكير في ضرورة بذله مزيداً من الاهتمام ومزيداً من الحرص لتخصيص وقت يومي لممارسة أحد أنواع الرياضة البدنية، أو على أقل تقدير رفعه لمستوى الحركة في نشاطه البدني اليومي.
وضمن عدد أبريل (نيسان) الحالي لـ«مجلة بحوث السعادة «Journal of Happiness Studies، وبحسب ماذكرته صحيفة الشرق الأوسط، عرض الباحثون من جامعة ميتشغان نتائج مراجعتهم للدراسات الطبية التي بحثت في العلاقة بين الشعور بالسعادة وممارسة النشاط الرياضي البدني، وكان عنوان الدراسة «مراجعة منهجية للعلاقة بين النشاط البدني والسعادة».
- الرياضة والسعادة:
ويُعرف في الأوساط الطبية منذ فترة طويلة أن ممارسة النشاط الرياضي البدني وسيلة للحد من الشعور بالاكتئاب والمعاناة من القلق النفسي. وفي كثير من الأحيان ينصح المعالجون النفسيون بممارسة الرياضة كنشاط يومي للوقاية من، أو لعلاج، الحالات النفسية العقلية السلبية، كالاكتئاب والقلق.
ومع ذلك، لا يُعرف الكثير عن تأثير النشاط البدني على حالات الصحة العقلية الإيجابية، مثل الشعور بالسعادة والإحساس بالرضا. ومن أجل هذا اشترك من جامعة ميتشغان كل من الدكتور وييون تشين، الأستاذ المشارك في علم حركات الجسم Kinesiology، مع زانجيا زانج، طالب الدكتوراه، للبحث فيما إذا كانت ممارسة الرياضة البدنية تزيد من التحسن في مظاهر التمتع بصحة نفسية إيجابية أسوة بخفضها من سوء الحالات الصحية النفسية السلبية.
وعلى وجه التحديد، قام الباحثون بفحص جوانب النشاط البدني المرتبطة بالسعادة، وأي مجموعات الناس يستفيدون عادة من هذه التأثيرات لممارسة الرياضة البدنية.
وتحقيقا لهذه الغاية، قام الباحثان بمراجعة 23 دراسة نفسية حول السعادة وممارسة النشاط البدني. وشملت تلك الدراسات آلاف البالغين وكبار السن والمراهقين والأطفال والناجين من السرطان في عدد من دول العالم.
وعلق الدكتور تشن على نتائج هذا البحث العلمي بالقول: «تفيد نتائجنا بأن حجم ووتيرة ممارسة الرياضة البدنية هما عاملان أساسيان في تحديد قوة العلاقة ما بين السعادة وممارسة الرياضة البدنية. كما تفيد النتائج بأمر آخر مهم، وهو أن حتى التغيير الطفيف في مستوى ممارسة النشاط البدني اليومي له تأثير فارق في مستوى الشعور بالسعادة. وقد ينتج عن ممارسة الإنسان للنشاط البدني مدة 10 دقائق في الأسبوع أو في يوم واحد من الأسبوع، زيادة في مستويات السعادة». كما أشارت النتائج إلى ملاحظة المرء لتحسن شعوره بالسعادة عند ممارسته أي قدر من النشاط البدني. وقال الباحثون إنه ووفق ما لاحظته نتائج دراسات عدة، يتحقق ذلك بشكل واضح على المرء عند بلوغ ممارسة 150 دقيقة من الرياضة البدنية في الأسبوع.
وأضاف الباحثون أن بالمقارنة مع الأشخاص الخاملين بدنياً، فإن نسبة احتمالات وأرجحية الشعور بالسعادة هي 20٪ لدى منْ يُمارسون الرياضة البدنية بشكل غير كاف، وترتفع إلى 29٪ لدى منْ يُمارسون قدراً معتدلاً من النشاط البدني الرياضي، ثم ترتفع تلك الأرجحية لتبلغ 52٪ لدى الأشخاص النشيطين للغاية بدنياً.
- فوائد نفسية:
وأفاد الباحثون بشيء من التفصيل بأن بين فئة الشباب، الشعور بالسعادة لدي ممارسة ذوي الوزن الزائد للرياضة أعلى من الشعور بالسعادة لدي ممارسة ذوي الوزن الطبيعي للرياضة، ما يُضيف فائدة صحية نفسية أخرى عند ممارسة البدينين للرياضة، غير مساهمتها في خفض وزن الجسم. وأضاف الباحثون: بعض الدراسات لاحظت أن المراهقين الذين يُمارسون الرياضة مرتين في الأسبوع هم أعلى سعادة من أقرانهم المراهقين الذين يُمارسونها مرة واحدة في الأسبوع.
والواقع أن ممارسة «النشاط البدني» و«التمارين الرياضية» لها فوائد نفسية وعاطفية كثيرة، وتُساعد المرء في اكتساب وتعزيز الشعور بالثقة في النفس، وترفع من مستوى التواصل الاجتماعي، وتعطي المرء قدرة أفضل عند التعامل مع الضغوط النفسية. وصحيح أن ممارسة «النشاط البدني» Physical Activity بالعموم في الحياة اليومية ليست مرادفاً لممارسة «التمارين الرياضية» Exercise المكونة من برامج تدريبية، ولكن كلتاهما مفيدة للصحة الجسدية والنفسية.
وتظهر بعض الأبحاث الطبية أن النشاط البدني مثل المشي العادي، وليس فقط برامج التمارين الرياضية، قد يساعد في تحسين المزاج. والنشاط البدني هو أي نشاط حركي ينشط العضلات ويتطلب طاقة، ويمكن أن يشمل أنشطة العمل الوظيفي أو العمل المنزلي أو ممارسة الأنشطة الترفيهية ذات المجهود البدني.
التمارين الرياضية هي حركة الجسم كله، أو أجزاء منه، بطريقة مخططة ومنسقة ومتكررة من أجل تحسين أو الحفاظ على اللياقة البدنية. ولدى الكثيرين، كلمة «التمارين الرياضية» تجعلهم يُفكرون في الصالة الرياضية وممارسة الأنشطة البدنية فيها، ولكن النشاط البدني بالمفهوم الطبي، كوسيلة لحفظ ورفع مستوى الصحة الجسدية والنفسية، يتضمن مجموعة واسعة من أنشطة تحريك عضلات الجسم المختلفة، وهي التي تعزز مستوى نشاط الجسم للمساعدة على الشعور بالتحسن والصحة.
ومن المؤكد أن الركض ورفع الأثقال ولعب كرة السلة وأنشطة اللياقة الأخرى تساعد على تمرين القلب لضخ الدم وتساعد الرئتين على تحصيل الأكسجين من الهواء، ولكن كذلك يمكن أن يستفيد الجسم من النشاط البدني بأشكال أخرى مثل البستنة للعناية بالحديقة وغسيل السيارة والمشي أو الانخراط في أنشطة أخرى أقل كثافة كالمشي في المنزل وتحضير الطعام.
لذا ينصح أطباء مايو كلينك بتوسع تفكير المرء في التمارين والنشاط البدني لإيجاد طرق جديدة في إضافة كميات صغيرة من النشاط البدني طوال اليوم، وعلى سبيل المثال استخدم الدرج بدلاً من المصعد وإيقاف السيارة بعيداً عن مكان العمل أو السوق للقيام في نزهة قصيرة.