أسعدني جدا ما قامت به «رابطة العالم الإسلامي» في العاصمة الأردنية قبل يومين، من تعاون بناء مع «المنتدى العالمي للوسطية» هناك، حيث أسهمت بفاعلية في إقامة مؤتمر دولي كبير، عنوانه «الأمن المجتمعي وأثره في وحدة الأمة»، قدم للمهتمين ما يزيد من قناعتهم بأن الأمن بمفهومه الشامل ضرورة لتحقيق نمو المجتمعات وتنميتها، وأن الفصل بين مكونات الأمن غير موجود في أدبيات الفكر الإسلامي، فالأمن الفكري والاقتصادي والسياسي لا يقل عن الأمن العسكري بحال، والعلاقة بين هذه المكونات تشاركية، لا يمكن تحقيق أحدها بمعزل عن الآخر.
في المؤتمر شعرت بالإعجاب بالخطوات العملية التي خطوناها نحو تحقيق الأمن المجتمعي، ومكافحة التطرف، والتي قدمتها باختصار في ورقة العمل، ذاكرا أبرز الجهود العملية للمملكة، ابتداء بعام 2000، عندما وقعت المملكة على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تقضي بالتعاون مع المجتمع لمواجهة الإرهاب ومن يقف خلفه، مرورا بعام 2004 الذي أنشئ فيه «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني»، وعام 2005 الذي استضفنا فيه أول مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، وتم توجيه الدعوة لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، تحت مظلة الأمم المتحدة، وإنشاء «مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية» عام 2006، ومبادرة «مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات» عام 2007، ومبادرة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز عام 2015، لتشكيل «التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، وإطلاق «مركز الحرب الفكرية»، عام 2017، والمختص بمواجهة جذور التطرف والإرهاب، وترسيخ مفاهيم الدين الحق، ويتبع وزارة الدفاع، ويقف على رئاسة مجلس أمنائه سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وأخيرا وليس آخرا ما حصل في نفس السنة من تدشين خادم الحرمين الشريفين، للمرجع الأول عالميا في مكافحة الفكر المتطرف، وتعزيز ثقافة الاعتدال، وأقصد بذلك «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف» (اعتدال)، الذي أنشئ ليقود الجهود الدولية لمكافحة الفكر المتطرف.
في المؤتمر، وبحضور الأمير خالد بن فيصل بن تركي، سفير خادم الحرمين الشريفين في المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، جذب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، عضو هيئة كبار العلماء، والمشرف العام على «مركز الحرب الفكرية»، الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، اهتمام الحضور، عندما أكد في مستهل اللقاء على ضرورة نهوض الأمة بواجباتها على أكمل وجه، وأن التطرف ألبس زورا للإسلام، ولفت النظر بوضوح إلى أن «الإسلام مر بعدة أحداث عبر فترات زمنية مختلفة، يجب أن تُحمَّل تلك الأحداث لأشخاص تلك الفترة، وليس للإسلام»، وكأن الشيخ يضيف التأكيد على عبارات الثناء المستحق، التي قيلت في حق بلادنا المباركة، وما يقوم به ولي عهدنا الأمين، وما تقوم به حاليا «الرياض الجديدة» من نهضة فكرية وتصحيحية عامة -كما عبر عنها عريف المؤتمر-، ثم جاء التأكيد المكرر بتوقيع مذكرة تفاهم بين «الرابطة» و«المنتدى»، وكل ذلك أكد عندي، وعند غيري، أن المنظور الإسلامي السليم لا يكتمل قوامه إلا وفق منظور الأمة الواحدة، شكلا ومضمونا، لا سيما بعد أن ثبت للجميع أن تجزئة ميادين العمل أمر لا يمكن أن يفضي إلى سعادة الناس، لا في دنياهم، ولا في آخرتهم، وأن رسالة المحبة والتعاون والرحمة لا بد أن تسود.
نقلا عن صحيفة الوطن السعودية