إنعقد المؤتمر الدولي الإسلامي «الأمن المجتمعي وأثره في وحدة الأمة» الذي إنتهت اعماله في عمان الخميس الماضي، في أصعب الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي والعربي، من حروب خلقت حالة من عدم الإستقرار الأمني، وبالتالي ضعف برامج التنمية بمفهومها الشامل، ما إنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على حياة الأفراد المعيشية، في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وهذا بلا شك ساهم في زعزعة منظومة الأمن المجتمعي، التي هي أساس التنمية، والنهضة، والرخاء الإقتصادي والفكري.
العنوان الذي حمله المؤتمر له دلالات عميقة في وجدان علماء الأمة ومفكريها، لأن المسؤولية المجتمعية تقع على عاتقهم في التنوير والتوعية، والفهم الديني القائم على الوسطية والإعتدال؛ بخاصة بعد أن إختُطفت عقول شباب الأمة من قبل مجموعة من المتطرفين التكفيريين، وإنحرفوا بهم عن النهج الديني القويم، الذي جاء به الرسول العظيم محمد بن عبداالله - صلى االله عليه وسلم-.
أهمية المؤتمر إنطلقت من حيث المظلة الإسلامية التي ينضوى تحتها، ممثلة برابطة العالم الإسلامي، ومنتدى الوسطية، وبالتالي فإن تعزيز القيم الدينية القائمة على النهج الإعتدالي الوسطي، لا ينحصر في مجموعة هنا أو هيئة هناك، بل هو إجماع إسلامي كبير في مشارق الأرض ومغاربها، على تصويب الخلل وجمع الأمة على كلمة سواء، ذلك أن توافد نخبة كبيرة من علماء الأمة الإسلامية ومفكريها من الدول العربية والإسلامية والأجنبية، ليدلوا بدلوهم في هذا المؤتمر، إنما يرسخ الرسالة الدينية الصحيحة لتعاليم الدين الحنيف، وان الإختلاف مع هذا النهج يؤدي إلى تفكك الأمة وتمادي الجماعات التكفيرية، بفرض سطوتهم على الساحة السياسية والدينية، بفتاوى مغلوطة الفهم تُذكي الطائفية وتُقصي الآخر.
وركزت مطالب المشاركين في المؤتمر، على ضرورة العودة للإسلام الوسطي المعتدل، بنهج يترجم مقولة «لا إفراط ولا تفريط» القائمة على مبدأ الإعتدال، كما أن الدفع بهذا الإتجاه، يعزز الأمن المجتمعي، الذي يعني الإستقرار والأمن، فهذه النظرية ميزة للأمة الإسلامية، في تفاعلها مع محيطها المجتمعي.
كثير من العلماء في المؤتمر دعوا إلى الإبتعاد عن التحريض على علماء الأمة، وبالتالي الدخول في إتون الفتن والمنازعات التي لها إنعكاس خطير على اللحمة الإسلامية وتماسكها، ذلك أن هذه الدعوات الوازنة هي جوهر العقيدة الإسلامية التي نؤمن بها جميعا. أيضا ركز المؤتمر على نقطة غاية في الأهمية، إذ لا ينبغي أن يغلب على الخطاب الديني التفريط بالدين، بل يستند إلى نهج دعوي يحاكي العقل البشري، وينسجم مع أفكاره التي تتواءم مع معطيات العصر. ويرى المشاركون بأن القضية الفلسطينية جزء من الصراع الذي يدور في المنطقة العربية والإسلامية، وأن إبقاء هذه القضية دون معالجة حقيقية، يشجع العدو الإسرائيلي على التمادي في قمع الفلسطينيين، والتضييق عليهم؛ وقد يؤدي إلى ظهور فكرٍ متطرف يزيد المنطقة إشتعالاً وإضطراباً.
أما الدلالات الواضحة للوسطية كما يصفها علماء الأمة، فإنها تتواءم مع الأمن المجتمعي الذي يرتكز على قواعد متينة هي: العدل، والخير، والفضل، وبالتالي الإستقرار، لكن مع هذه المحاولات الإيجابية لتأكيد هذا الطرح، إلا أن ضعف الأمن المجتمعي يؤدي إلى خلخلة آفات العصر، بالقتل والإستحواذ على البشر وتكفيرهم.
كثير من المداخلات ركّزت على ظاهرة التطرف، والسبل الكفيلة بمعالجتها معالجة فكرية، تخاطب العقل بمنطق الحجة والبرهان والدليل الشرعي، لأن هذه الظاهرة باتت تتصدر القضايا التي تؤرق المجتمع الدولي، ما ينعكس على أمتنا العربية والإسلامية من حروب ضد هذه الظاهرة، وما ينتج عنها من دمار، وقتل، وتشريد، وتهديد للأمن المجتمعي، الذي هو أساس العيش المشترك بسلام.
قد تكون ثمة مسؤولية يتحملها علماء الأمة في رؤيتهم للواقع المؤلم للفتاوى التي أفسدت الشباب، وساقتهم للإنحراف والغلو والتطرف، ولذلك فإن ملء فراغ الفتاوى
ربما ورقة وزير الأوقاف الأسبق والمفكر الإسلامي الدكتور عبدالسلام العبادي، لخصت كثيراً من الأمور التي يشوبها التأويل والتفسير، بتناولها لرسالة عمان التي أطلقها جلالة الملك عبداالله الثاني في رمضان عام 2004 والتي اجمع العلماء والفقهاء على ما جاء فيها، من دعوة صريحة للوسطية والإعتدال، بل وإعتبروها نهجا دعوياً سليماً يمكن البناء عليه، وبخاصة فيما يتعلق بتوحيد الفتوى، وبما يتعلق بالنهج الإسلامي الوسط، والإبتعاد عن التطرف والغلو.
أيضا اكتسب المؤتمر أهمية بمشاركة رابطة العالم الإسلامي ممثلة بأمينها العام الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، اضافة لمشاركين يمثلون دولا إسلامية، ومن دول ذات أقلية إسلامية.
وكان العيسى قد ايد فكرة الدخول في تفاصيل الخطاب الديني، ووضع أطر مدروسة، لا أن تكون الدعوات فضفاضة لا تقترن بالحجة والدليل والكيفية والإسلوب.
وعاين المؤتمر الموقف العام للفتوى، وكيفية معالجة ظاهرة الإنفلات في إطلاق الفتاوى، وفقاً لواقع لا يتواءم مع النظرة الإسلامية للوسطية التي هي أساس الدين، وتأكيد الأهمية لمنظومة الأمن المجتمعي للبشرية، بإعتباره نقيضا للفوضى والعنف والتطرف وأعمال الإرهاب،وهو هدف رئيس من أهداف المؤتمر.
نقلا عن صحيفة ( الرأي )