يواصل مركز الحرب الفكرية عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، كشف وتفنيد شبهات المنظمات الإرهابية وأساليبها في تأويل بعض الآيات القرآنية التي تُعد من أكثر ما يستخدمه المتطرفون في تطويع الشباب والتغرير بهم، ولكن ما يؤخذ على هذه التغريدات أنها تأتي على صفة العموم، ولا تدخل في تفاصيل المباني النظرية والفلسفية للفكر الإرهابي المتطرف.
لا ألوم القائمين على مركز الحرب الفكرية، فالمواضيع التي يتم تناولها عالية الحساسية والخطورة، فالبعض في المجتمع يعيش الخوف والحذر من أية فكرة مخالفة وأية نظرية لا تتماشى مع النمط التقليدي لفهم الدين، وقد تتحرك فيهم نوازع العصبية تجاه الآراء الجديدة بحجة خوفهم على عقائد الناس من التزلزل والاهتزاز، ولهذا يواجه المركز تحدياً عظيماً أمام الرؤية التقليدية إزاء التراث والحضارة الإسلامية، وما تتضمنه من انغلاق فكري تجاه الحضارة الحديثة، وهذا الأمر يتطلب الجرأة والشجاعة في عملية تجديد الخطاب الديني في المجتمع، فالمجتمعات الإسلامية بشكل عام ما زالت تعيش الأزمات تلو الأزمات وفي جميع المجالات جراء الفهم الخاطئ للدين وللنصوص الدينية.
وفيما يلي أستعرض بعض الأمثلة على تغريدات مركز الحرب الفكرية فيما يتعلق بتأويل وتفسير بعض الآيات القرآنية، والتي تستند إليها المنظمات الإرهابية في تبرير عملياتها الإجرامية:
استعرض حساب المركز على «تويتر» واحدة من أكثر الآيات القرآنية الكريمة التي يتم الاستشهاد بها من المتطرفين والمغرر بهم وهي قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، فمعنى «الرضى» في هذه الآية: «القناعة الملية وهي دينية عقدية، لا دنيوية تعايشية، ولذا تعامل نبينا الكريم وتعايش مع الجميع؛ بل دخل في جوار المطعم بن عدي، وكان مقدراً عند المسلمين، وأبيح زواج المسلم بالكتابية».
ومما سبق، يحاول المركز تبيان حقيقة التعددية والتسامح في الدين الإسلامي من خلال التعايش السلمي مع الآخر، فالمسلم له قناعاته ومعتقداته الثابتة، ولا يمكنه التنازل عنها أو التفريط بمقتضياتها، وهذا الأمر سائر أيضاً في الأديان الأخرى، والسؤال المطروح هنا: هل يسوغ للبعض اتهام أتباع الديانات الأخرى بالكفر والشرك وأنهم أتباع الباطل ومن أهل النار؟.
المنظمات الإرهابية لا تستسيغ تلك المفاهيم في الدين، وتحاول ترسيخ مفهوم الشرك وأهل الباطل في عقول أتباعها، فعلى سبيل المثال يستندون إلى قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم)، وبناءً على ذلك يرى منظرو الإرهاب أنه يجب قتل المشركين في أي مكان وزمان، وأسرهم، والتضييق عليهم، وعدم تركهم يتوسعون في بلاد الله وأرضه!.
كما يستندون أيضاً إلى قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير)، وبالطبع فإن النصارى عند منظري الإرهاب هم كفار ومشركون، وبالتالي تنطبق عليهم الآيات القرآنية السابقة، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربي وربكم إنه من يشرك باللّه فقد حرم اللّه عليه الجنة ومأواه النار).
وبناءً على ما سبق حاول مركز الحرب الفكرية توضيح معنى قتال الكفار والمشركين بالقول إن المقصود بقتال الكفار بأن هناك «فئة معينة أثارت الفتنة باضطهادها للمؤمنين؛ فأمر الله بقتالهم؛ منعاً لفتنتهم، كما أوضحه عدد من المفسرين»، وهذا الشرح للأسف لم يغب عن المنظمات الإرهابية فهم يقولون: إن المسلمين يتعرضون للظلم والقتل والتشريد في العالم، فيكون الانتقام والاعتداء بالمثل، وذلك استناداً إلى قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
وعلى هذا الأساس فإن العنف والقتل عند الإرهابيين عبارة عن وسيلة تعبدية تستمد شرعيتها لديهم من الغاية النبيلة التي يتصورونها، وهي إقامة حكم الله على الأرض عن طريق الجهاد في سبيله، لذا يلجأ المتطرفون إلى الإرهاب والعنف، وهم يعتقدون أن ما يقومون به إنما هو بإرادة الله، وبالتالي لا يفكر الإرهابي الذي يقوم بقتل الناس وتعذيبهم في جسامة وشناعة وجرم فعلته، بل فيما سيناله في الآخرة من نعيم الفردوس الأعلى في الجنة.
وللأسف الشديد يبقى الخطاب الديني التقليدي مصرّا على تلك المباني الفكرية القديمة، وهذا الإصرار يزيد المشكلة حدة وعمقاً ويزيد من حالات العنف والإرهاب، فالقراءة الدينية التقليدية المنتجة للإرهاب والعنف هي حصيلة الفهم القديم للدين، وليست ناشئة من الدين ذاته، وهنا تنشأ المعضلة التي يصعب ضبطها والسيطرة عليها والتي ترضخ لها المجتمعات الإسلامية.
إن حل هذه المشكلة يفرض علينا مواجهة هذا الخطر من موقع الانفتاح عليه ومواجهته من خلال التفسير العقلاني للنصوص الدينية وحقوق الإنسان، وترسيخ التعددية الدينية والتسامح في المجتمع، ومثل هذه المفاهيم لا يمكن ترسيخها إلا من خلال النقد والغربلة المستمرة للأفكار والتراث الديني، وهذا ما ينبغي أن يقوم به مركز الحرب الفكرية.
فالتعددية تعني أن الحقيقة متعددة وكثيرة وأن كل إنسان أو دين يملك جزءا من الحقيقة لا كلها، فلا يصح قتال الآخر المخالف، لأنه ليس على باطل ولأنه لا يتبع الشيطان، والتسامح يعني أن كل إنسان مهما اختلف في الدين والمذهب يجب احترامه واحترام حقوقه بل يجب حبه وإسداء الخير إليه.
نقلاً عن صحيفة الوطن