عندما تذكر رابطة العالم الإسلامي لا بد أن يخطر بالبال بداهة دور المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام وهيئآته ومؤسساته وأمته بصفة عامة ولذلك فاني أعتبر أن الرابطة هي احدى قنوات الخير السعودي البارزة ،كما أنني أعتبر أن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين هي أبرز مآثر الأمة الإسلامية في العصر الحديث فلها الشكر والتقدير والعرفان بالجميل على تلك المآثر الحميدة ، ونحن في الرابطة ننوه بذلك ونثمنه عاليا وهو محل تقدير واجلال من الأمة في كل أصقاع العالم .
لقد كان من توفيق الله عز وجل أن تأسست رابطة العالم الإسلامي بالبلد الأمين بجوار الكعبة المشرفة في موسم الحج لعام 1381 هـ ، برعاية كريمة وتوجيهات سديدة وفق منهج الوسطية والاعتدال الذي يتلائم ومقتضيات العصر من لدن ولاة الأمر والقادة في المملكة العربية السعودية ، وخلال ما يزيد على خمسين عاما من الاشعاع العلمي والفكري والتواصل الحضاري على أسس من الخطاب الوسطي والسلام العالمي وفق سماحة الاسلام ويسره وسهولته ورفع الحرج فيه ، فقد حققت انجازات عالية لا سيما في ايامنا هذه التي تعززفيها التعايش الحضاري والحوار الاسلامي الاسلامي والحوار مع أصحاب الحضارات والديانات الاخرى على أسس راقية تعتمد على الوسطية التي هي إحدى الخصائص الاسلامية البارزة ومن أعظم سمات رسالته الخالدة ، فنحن أمة وسط في تعاليمها بين طرفين متقابلين ومتضادين وهي قائمة بالعدل والقسطاس المستقيم كما قال تعالى ( والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغو في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ) ، يشير القرآن الكريم لهذه الخاصية البارزة مخاطبا لأمة الاسلام بقوله جل شأنه ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول علليكم شهيدا ) وقد فسر الوسط في هذه الآية بالعدل ، ووسطية الأمة الاسلامية انما هي مستمدة من وسطية منهجها ونظامها فهو منهج وسط لأمة وسط منهج الاعتدال والتوازن الذي سلم من الافراط والتفريط ، أو من الغلو والتقصير ، فجاء نسيجا فريدا متكاملا ، فلا افراط ولا تفريط في عقيدته وتشريعه وسلوكه وأخلاقه بل توسط واعتدال ، قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري : وصف الله هذه الأمة بالوسط لتوسطها في الدين ، وقد نادى الاسلام أتباعه بضرورة التوسط والاعتدال في كل شيء بلا افراط ولا تفريط بل اتباع لمنهج الاسلام واعطاء لكل ذي حق حقه ، يدل لذلك قوله تعال ( والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) وقوله عز وجل ( ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) ، وقد منح الاسلام الانسانية مزية فائقة بوسطيته ومرونته وتكامله إلى حد أنه أقنع بعض المفكرين من غير المسلمين بتفوقه في الاعتدال والوسطية ومقددرته على التألف بين البشرية .
يقول هاملتون جوب : أؤمن أن الاسلام لا تزال له رسالة يؤديها الى الانسانية جمعا حيث يقف وسطا بين الشرق والغرب وانه أثبت أكثر مما أثبت أي نظام سواه مقدرة على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة ، فاذا لم يكن بد من وسيط يسوي ما بين الشرق والغرب من نزاع وخصام فهذا الوسيط هو الاسلام .
هذه نماذج تلقي الضوء على وسطية الاسلام وسماحته ويسره ورفع الحرج فيه واعتدال فكره وتشريعاته ، وبالاستقراء التام لأهداف الرابطة وأسسها المنهجية نجد أنها لم تنحرف قيد أنملة عن وسطية الاسلام المستمدة من ينابيعه الصافية الأولى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما درج عليه سلف الأمة يدل لذلك أنها راعت في منهجها الاسلامي أسسا خمسة هي سنة التدرج ومراعات ضوابط الخطاب الدعوي والتواصل الحضاري وفق مقتضيات العصر ومراعات الدلالات والمفاهيم وثقافة التعاطي مع القضايا المعاصرة ويحتاج الخطاب الدعوي لضوابط منهجية يسير وفقها ليؤدي الغاية المنشودة على الوجه الأكمل ، ويمكننا تلخيص هذه الضوابط في النقاط التالية :
1 - أن يكون القول مشروعا صادقا
2 - أن يطابق القول العمل ولا يخالفه
3 - الأخذ بالعرف : وهو مااستقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول ، وهو في الجملة الخير المعروف الواضح الذي لا يجتاج الى مناقشة وجدال والذي تلتقي عليه الفطر السليمة والنفوس المستقيمة
4 - بلاغة القول والابتعاد عن التفاصح
5 - مراعات الطبائع والاحوال الخاصة
6 - مراعات تفاوت الافهام
7 - الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن .
وفي الواقع أن الاسلام دين عالمي لقوله تعالى ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) ، فهو دين الرحمة ودين السلم والمسالمة ، ودين التعايش بين الطبقات والمجتمعات ، ذلك أن رسالة الاسلام لا تنحصر في العقيدة والعبادة فقط بل تمتد لتشمل لحياة كلها فهو لاصلاح المجتمع وسياسة الدولة وبناء الأمة ونهضة الشعوب وتجديد الحياة فهو دعوة وسلام ودولة وعبادة ومعاملة ودين ودنيا فهو نظام شامل يتميز بالعصرية والتجديد في كل حين
ولعل من جملة أدبيات الرابطة أنها ترى ان الانفتاح العالمي الذي أحال الكرة الأرضية الى قرية تلتقي فيها مختلف الأعراق والشعوب والثقافات يستطيع الاسلام بمرونته الفائقة ومراعاته للمتغيرات أن يوفر لأصحابه فرصة لاستغلال هذا الانفتاح وتسخير كل هذه الامكانات الحضارية الحديثة لتطوير التواصل مع غير المسلمين وجعله أكثر عمقا ومعنى كما أن هذا العالم المتشعب والكبير هو نفسه الذي يبرر وبإلحاح ضرورة تحقيق الوحدة الاسلامية ونبذ خلافاتنا أو على الأقل التخفيف منها تكريسا لحضارية الاسلام وما جاء به من معان سامية في سبيل التواصل الحضاري ، ويمكن أن نتحدث عن هذا التواصل الحضاري والسلام العالمي على النحو الآتي :
ثقافة التعايش مع غير المسلمين : ان عالمية الاسلام ظهرت في قدرته على التعايش مع كل الجماعات البشرية غير المحاربة اذ أن حياة المشاركين لا تقوم بغير تعايش سمح : بيعا وشراء ، قضاء واقتضاء ، ظعنا واقامة ، وتاريخ المسلمين حافل بصور التعامل الراقي مع غير المسلمين ، وقد حدد الله تعالى أساس هذا التعايش بقوله ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) .
ان غير المسلم اذا لم يبدأ بحرب ولم يظاهر على اخرج فما من سبيل معه غير التعايش الجميل الملتزم بالبر وهو جماع حسن الخلق والقسط والعدل والفضل والاحسان وتنبني ثقافة السلام والتعايش على وحدة الأصل الانساني والكرامة الآدمية والتعارف والتعاون وغير ذلك .
انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى ( ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، وقوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) .
ولقد كانت أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله تأكيدا لمبدأ الأخوة الانسانية ( أنا شهيد أن العباد كلهم اخوة ) والمساوات الانسانية ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) ، وغير ذلك كثير .
وفي هذا الصدد لا يسعني الا أن أنوه بدور رابطة العالم الإسلامي البارز والمتميز في خطابها الاسلامي ومنهجها في الحوار الذي يمكن اعتباره مثالا في الاعتدال والوسطية التي خص الله بها هذه الأمة من بين سائر الأمم والتي هي منهج أهل السنة والجماعة والرابطة فوق ذلك كله لها نظرة شاملة لدين الله عز وجل وفهم عميق لجذور البلاء ومكامن الخطر فتصرف الدواء على بصيرة من تشخيص الداء وتعطي كل قضية حجمها من دين الله فلا تبالغ فيما خطبه يسير ولا تهون من شأن أمر خطير والاتصاف بهذه الشمولية وبهذا التوازن في التعامل مع قضايا هذا الدين هو مفهوم الخطاب والوسطي والسلام العالمي الذي يجمع بين الأصالة والحداثة ويتلائم مع مقتضيات العصر ، وبهذا الخطاب الاسلامي الرصين المؤصل استطاعت أن تقف بحزم في وجه الغلو والتطرف والعنف والارهاب بناء على فهم سديد وسلوك ومنهج قويم يؤكد على معاني العدل والتسامح والحوار والتواصل الحضاري ومن هذا المنطلق فاننا ندعو الى الحواروالجدال بالتي هي أحسن والدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، ونستذكر مقولة : الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، ونعلن للجميع أن دين الاسلام جاء مبشرا غير منفر وميسرا غير معسر خاليا من الحرج ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، فديننا دين رحمة ويسر وسهولة واعتدال ، ونرى أن قضية النهوض بالخطاب الوسطي وفق مقتضيات العصر تعتبر من أولويات القضايا المركزية لهذه الأمة فنحن أمة رسالتها الأساسية في هذه الحياة هداية الخلق ونشر الحق والعدل والخير وتعبيد الناس لقيوم السموات والارض ، كما أن وحدة الأمة واصلاح المجتمعات الاسلامية وتخليصها من حالة الوهن والغثائية من الهموم العامة لمعظم ايناء أمة الاسلام على تنوع أوضاعهم واختلاف طبقاتهم .
نقلاً من موقع أقلام حرة