بحت الأصوات وتألمت الحناجر والعقلاء ينادون بعدم بقاء الحالة الخمولية التي تعيشها بعض المجتمعات في رمضان، والتي جعلت من نهار رمضان مجالا للنوم والكسل وقضاء الليل في الملهيات وفيما لا فائدة منه. وكنت أنادي بتطبيق ذلك عمليا وليس بالقول فقط؛ فهذا أدعى لرؤية من يعمل، وأكثر قبولا واقتناعا، إذ الكلام النظري ربما لا يكون مقنعا، وتقديم القوالب العملية والتجارب الحية هو الذي يجعل الكسول ذا همة ونشاط، ويتخلى عما هو عليه من كسل ونوم وخمول.
وفي المدينة المنورة توالت الأنشطة والبرامج والفعاليات النوعية والمتميزة، وكأن لسان حالها يقول رمضان فرصة للعمل والبذل وليس للنوم والكسل.
فقد افتتحت وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين مساء الثلاثاء الماضي التاسع من رمضان الجاري الندوة العلمية «الجهود العلمية في المسجد النبوي في العهد السعودي» وسط حضور بهيج من الباحثين، وتميزت الجلسات بإدارتها من قبل أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة وضيوف من داخل المملكة وخارجها، وكانت أوراق العمل والبحوث المقدمة في دقة عالية وحوت إحصائيات مذهلة، ربما تعجب لها أبناء هذا المجتمع عندما قرؤوها وسمعوا شيئا منها فضلا عن الإخوة المقيمين والحاضرين.
هذه الندوة تؤكد ما طالبت به الأسبوع الماضي من الحاجة لقناة خاصة بالحرمين، ليعلم القاصي والداني بهذه الجهود وهذا الإنفاق السخي من حكومة هذه البلاد منذ تأسيسها حتى هذا العهد الزاهر، وبلغة الأرقام التي لا تقبل التشكيك.
وهنا أرجو طباعة تلك البحوث وتوزيعها أو نشرها الكترونيا إلى حين ظهور قناة الحرمين.
وقبل ذلك بأيام تم افتتاح «المعرض الدولي الأول للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية» الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي، وقد تم تشييده على مساحة 4000 متر مربع بجوار مسجد قباء، ليقدم لمرتاديه عرضا مرئيا ومسموعا رائعا عن السيرة النبوية العطرة بأحداثها وتفاصيلها وباستخدام الشاشات المرئية، فيهيم الزائر في رحلة عبر التاريخ ويحلق في عبق سيرة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم في المرحلتين المكية والمدنية من ولادته حتى وفاته، وبتفضيلات وتفصيلات غير مسبوقة، واللافت أن الزائر يرى ذلك وبإمكانه الحصول بعد ذلك على التفاصيل من خلال مجموعات مطبوعة.
وكم راق لي ذلك الكتيب «السيرة النبوية في دقائق» الذي تهدف الرابطة إلى توزيع مليار نسخة منه، فهو صغير في حجمه وهائل في مضمونه، فالمرء يحمل سيرة نبيه في كتيب صغير الحجم يمكن وضعه في جيبه.
إن الناظر للوحات الحديثة التي تزين أرجاء المكان والتي تتناول جوانب السيرة، بالإضافة إلى المجسمات العديدة التي تحكي بناء المسجد النبوي وحجراته، ومجسم المدينة في زمن النبوة، بجانب أفلام وثائقية تتحدث عن بعثته وهجرته التي غيرت مجرى التاريخ، واللحظات الحاسمة في تاريخ الإنسانية، يجد الروعة في أسمى معانيها، فهي تحلق بالأرواح وتأخذ بالألباب، في موقع يعد أضخم معرض حضاري شامل يتناول السيرة النبوية في عمل متقن وبمهنية عالية وتقنية أقل ما يمكن أن توصف به أنها أخاذة.
والأجمل أن يكون ذلك كله بتوثيق علمي، حيث يجد الزائر كل معلومة موثقة بالنص الصحيح الذي ورد فيها، سواء عن معالم وأحداث السيرة العطرة والأيام النضرة لرسولنا الحبيب، وتعامله وقصصه ومعاركه، أو عن تاريخ عمارة المسجد النبوي الشريف وتطورها عبر الحقب التاريخية المختلفة، أو المجسمات الضخمة للمدينة المنورة في عهد النبوة، والتي تؤكد مكانتها التاريخية.
إن المؤمل أن يبقى هذا المعرض بشكل دائم، ليصبح معلما من معالم المدينة النبوية، ويفتح أبوابه للزائرين على مدى العام، خاصة أن المدينة تستقبل ملايين الزوار من كل أرجاء العالم الإسلامي، فهل يتحقق الأمل؟