أحمد عبد الرحمن العرفج
أحمد عبد الرحمن العرفج

النَّاس تُحب الأشيَاء التي تُنَاقِش وَاقعهَا، وتُلَامسه، بالذَّات فِي الجَوَانِب الفِكريَّة، وحَتَّى أُدلِّل عَلَى صحّة هَذا الكَلَام، سأَستَشهد بمَقالٍ نَشرتُه هُنَا يَوم الأَربعَاء المَاضي بعنوَان: «تَوطين الائتلَاف .. يَبدَأ مِن تَدريس أَدَب الاختلَاف!».
وكَان المَقَال يَتنَاول، ضَرورة وَضع مَادة -ضِمن المَنَاهج الدِّراسيَّة- تُعلِّم النَّاس وتُدرِّبهم عَلَى آدَاب الاختلَاف، كثَقَافة تَعدُّد الآرَاء فِي القَضَايَا الفِكريَّة..! بَعد نَشر المَقَال، تَفَاعل النَّاس مَعه، عَلى مُستَوَى الصَّحَافَة والأَفرَاد، فهَذه مجلّة «رُوتَانا» التي يُتَابعها النَّاس فِي أَنحَاء الوَطَن العَربي، وكَذلك صَحيفة «أنحَاء» الإلكترونيَّة، قَد حَوّلا المَقَال إلَى قصَّةٍ خَبريَّة، نُشرت فِي ذَلك اليَوم..!
أَكثَر مِن ذَلك، أَرسَل إلِي -مَشكورًا- مَعَالي أَمين عَام رَابِطَة العَالَم الإسلَامي، الصَّديق الدّكتور «محمد العيسى» رِسَالَةً تَعقيبيَّة عَلَى المَقَال، هَذا نَصّهَا: «أَحسَنْتُم أَيُّها المَوسوعي المُتنقِّل .. صَدقتُم، مَا أَحوجنَا لمَادةٍ فِي مَهَارَات التَّواصُل، تُدرِّس مَنهجيَّة التَّنوُّع والتَّعدُّد والاختلَاف، مَع الاعتزَاز بالهُويَّة والثَّابِت، لَكن فِي سِيَاق يَتفهَّم سُنّة الخَالِق فِي خَلقهِ؛ حَيثُ لَم يَجعَلهم أُمَّةً وَاحِدَة، وكَيف يَتعَامل الجِيل مَع غَيره فِي «الدِّين والمَذْهَب»، خَاصَّةً خَارج الحدُود، ثُمَّ أَلَيسَت الأَقليَّات بحَاجةٍ لفِقه الاندمَاج الإيجَابي وفِقه المَهجَر؛ حَيثُ غَاب عَن كَثيرٍ مِنهم؟»..!
ولَم يَتوقَّف الأَمر عِند هَذا فحَسْب، بَل أَرسَل إلِي الدّكتور «عادل العمري»، أُستَاذ الثَّقَافَة الإسلَاميَّة فِي جَامعة القَصيم، مُشيدًا بالمَقَال، ومُتحسِّرًا عَلَى غِيَاب أَدَب ثَقَافة الاختلَاف، حَتَّى بَين الأَكَاديميين فِي الجَامِعَات المُختَلِفَة..! فلَيتنَا نَقتَدي فِي مَسَائِلنَا الخِلَافيَّة؛ بقَوائِمنَا الطَّعَاميَّة، فنَحنُ نَتهَافَت عَلى البُوفيه المَفتوح، ونَدفَع مِن أَجله المَبَالغ الكَبيرة، حَتَّى نَحظَى بتَنوُّع الأَطعمَة، وتَعدُّد الأَطبَاق، ولَكنَّنا -مَع الأَسَف- لَا نَقبَل تَنوُّع الآرَاء وتَعدُّدهَا، حَتَّى فِي القَضَايَا التي هِي أَصلًا خِلافيَّة عِند العُلمَاء فِي السَّابِق..!
حَسنًا .. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: «إنَّ تَعدُّد الآرَاء والاختلَافَات، يَدلُّ عَلَى الحَيويَّةِ فِي الرَّأي، والسَّعَةِ فِي الفِكر، والتَّنوُّع فِي وِجهَاتِ النَّظَر، واالله –عَزَّ وجلَّ- خَلَقَ البَشَر مختلفين لا متفقين، وقَديمَا قَال التُّجَّار: (لَولا اختلَاف الأَذوَاق؛ لبَارت السِّلَع فِي الأَسوَاق) »..!!