مقال الأمين العام للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار د. محمد السماك: ما الجهة التي تتحدث باسم الإسلام من دون أن تستغلّه وتسيء أو تشوّه صورته؟

مع ارتفاع عدد المسلمين في العالم ( أكثر من 1،6 مليار انسان )، ومع اتساع رقعة انتشارهم شرقاً وغرباً وسط مجتمعات دينية مختلفة، ترتفع علامة استفهام كبيرة حول من يتحدث بإسم الإسلام؟.

ضخّمت من علامة الاستفهام هذه، ظاهرة التطرف التي توسلت الإرهاب لغةً وممارسة. وكان الردّ عليها أن هذه الظاهرة لا تمثل الإسلام، بل هي تستغلّه وتسيء اليه وتشوّه صورته وسمعته.

أعاد هذا الردّ طرح السؤال الأساس حول من هي الجهة التي تتحدث بإسم الإسلام من دون أن تستغلّه وتسيء اليه ومن دون أن تشوّه صورته وسمعته؟.

جاء الجواب من مكة المكرمة، ومن جوار الكعبة المشرفة التي تتوجّه إليها أفئدة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها.

هنا اجتمع أكثر من 1200 مرجعية دينية من كل المذاهب الاسلامية. ومن كل الدول الاسلامية، ومن القارات الخمس، حيث يتواجد مسلمون كأقليات في أوطانهم الجديدة. كان الاجتماع بمبادرة من الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى.

في هذا الاجتماع الجامع، أُقرّت وثيقة اجتهادية اسلامية أجابت على علامات الاستفهام الكبيرة حول علاقة المسلمين بأنفسهم، وحول علاقاتهم بأهل الأديان والعقائد والثقافات الأخرى. وحملت الوثيقة اسم «وثيقة مكة»، مما أعطاها بُعْداً شرعياً اسلامياً: علماء من كل المذاهب ومن كل الأقطار يعلنون من جوار الكعبة المشرّفة موقفاً اسلامياً موحّداً من قضايا العصر.

تدور قضايا العصر التي حددت الوثيقة الجامعة الموقف الاسلامي الموحد منها حول:

أ - الانسان الذي كرّمه الله، واحترام هذا الانسان لذاته الانسانية.

ب- الشعوب التي شاء الله أن تكون مختلفة لحكمة منه. والاستجابة الى دعوة الله لها الى التعارف. والتعارف هنا يعني التعرّف على الاختلافات من موقع الاحترام لأصحابها. فالله حصر بجلاله الحق الحصري في الحكم على ما في ضمائر الناس ومحاسبتهم يوم القيامة. وهذا يعني انه لا يحق لأي انسان أن يعطي نفسه سلطة الحكم على ما في ضمير الانسان الآخر. أو العمل على إلغائها ترجمة لكراهية أصحابها.

ج- ان الإنسانية جميعها عائلة واحدة، فالله سبحانه وتعالى خلق الناس جميعاً من نفس واحدة. وهذا يعني التعامل مع الشعوب والجماعات المختلفة عنصرياً وثقافياً ودينياً ومذهبياً، الخ.. على انهم جميعها أسرة واحدة.

د- ان الإيمان بالإسلام يعني الإيمان برسالات الله جميعاً، وبرسله وكتبه جميعاً. وهذه الشمولية الإيمانية التي تشكل ركناً أساسياً من أركان الاسلام تنفي الكراهية الإلغائية للمؤمن الآخر المختلف، وتعزّز مشاعر الأخوّة والمحبة بين الناس المختلفين.

هـ- ان اللاإكراهية في الدين لا تعني فقط عدم إكراه الآخر على الإيمان، بل تعني أيضاً انه لا يكون إيمان بالإكراه. فاللا هنا ليست ناهية –عن الإكراه- فقط، ولكنها نافية للإيمان بالإكراه ايضاً.

لقد تحدث الاسلام في القرآن الكريم عن «بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه»، وأشار الاسلام في القرآن الكريم ايضاً الى ان ثمة رسلاً وأنبياء لم ترد قصصهم في القرآن الكريم، لأن رحمة الله التي وسعت كل شيء لا تستثني أي قوم في أي منطقة من مناطق العالم من الدعوة الى الإيمان بالله.

لقد تناولت وثيقة مكة العديد من القضايا المعاصرة في المواطنة والاجتماع والثقافة والأخلاق والحريات، وأرست أسساً شرعية للإنفتاح والتعاون على قواعد الاحترام والمحبة والصالح العام.

من هنا فإذا جمعنا، الى قدسية المكان الذي صدرت منه الوثيقة، شمولية المذاهب الإسلامية وشمولية الدول الاسلامية، وشمولية العلماء المسلمين من غير الدول الاسلامية ؛ فإن الوثيقة تصبح النصّ المرجعي الديني. ولذلك تبنّت منظمة التعاون الاسلامي التي تمثل الدول الاسلامية هذه الوثيقة لتكون مرجعاً لها جميعاً.

لم يكتفِ أمين عام رابطة العالم الاسلامي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى بتحقيق هذا الإنجاز الفقهي – العملي – الاسلامي الجامع، ولكنه حمل هذا الإنجاز الى العالم. حمله الى الفاتيكان في روما، والى كانتربري في لندن، والى البطريركية الأرثوذكسية الروسية في موسكو. كما حمله الى مجلس الكنائس العالمي في جنيف، والتي مجلس كنائس الشرق الأوسط في بيروت، وحمله أيضاً الى المرجعيات الدينية اليهودية في كل من واشنطن ونيويورك.

بدّدت هذه المبادرة التي انطلقت من مكة المكرمة ومن حرمها المقدّس الى العالم شرقاً وغرباً، التساؤلات (المشروعة وغير المشروعة) حول من يتحدث بإسم الاسلام؟ وحول ماذا يقول الاسلام أو ما لا يقول. كذلك بدّدت وثيقة مكة (من حيث طريقة إعدادها وهويات المشاركين فيها والموقّعين عليها، وكذلك من حيث مضمونها الفقهي المعاصر) علامات الاستفهام حول من يتحدث بإسم الإسلام.. وحول ماذا يقول الإسلام. إن تبنّي منظمة التعاون الاسلامي للوثيقة يطوي رسمياً وعملياً صفحات التشكيك ويبدّد علامات الاستفهام التي ارتفعت أحياناً عن حسن نيّة، ليعلن –هذا التبنّي- رسمياً ان ما تقول به مكة هو القول الاسلامي الفصل.

http://aliwaa.com.lb/مقالات/أرشيف-المقالات/من-يتحدث-بإسم-الإسلام/

الأربعاء, 23 ديسمبر 2020 - 20:56